قصة ( وراء كل كيد عظيم امراة ) الجزء الاخير

هنا الصحافة / بغداد
بقلم / ريم سعد مجيد


حاولت مريم بمساعدة أحمد ان يبعداها قدر الامكان عن الماضي الأليم رغم يقينهما بأنهما مهما حاولا فليس بمقدورهما حذف إبنها من ذهنها.
اما إبنها(خالد) فذهب غير مرة الى ذاك المكان ولم يستفد شيئا ، وأخذت الكوابيس تلاحقه كل ليلة، أهمل نفسه وزوجته واطفاله، لم يعد ذاك الذي يحب زوجته حد الهيام، وكأنما رحل مع امه في تلك الليلة ولم يعد منه سوى الجسد،لم يشترِ بيت بتلك الاموال _التي كان مزهوا بهاوببراعته في الإحتيال _وإنما بعثرها في شرب الخمر عله ينسى فعلته الشنيعة،وبهذا فهو اخطأ بحق نفسه وجنى عليها مرة أخرى.
وزوجته كانت توبخه كثيرا وتحاول اعادته الى وضعه السابق وكل محاولاتها باءت بالفشل،تكدست عليهم الديون من كل جانب، وهو ماضٍ في شربه،كان يعود الى ذهنه بين الحين والاخر ،لكن سرعان ما تنطفء هذه الشعلة،
في إحدى المرات، أرغمته زوجته على النظر الى نفسه في المرآة، وتركته في صدمته وخرجت، لم يصدق ما آلَ إليه وضعه،بقي لدقائق وهو يحاول تكذيب عينيه لكن! لايستطيع. يخطف نظرة الى شعر راسه ليته يتذكر آخر مرة حلقه، والى وجهه، وكيف غزا الشيب ذقنه المبعثر ،يحني نظره الى هندامه المتهرئة ،المتسخة، يلعن نفسه على جنايته ، ويتيقن بأن ماجرى له إنما بسبب غضب امه عليه، فيقرر ،إعادة الكرة في محاولةٍ للحصول على شيء يوصله الى امه ولو ريشة يتشبث بها لعلها تنقذه مما هو غارق فيه.
إستحم، وإرتدى ملابس نظيفة، مشط شعره، وحلق ذقنه، وما إن رأته زوجته، حتى كادت تزغرد من البهجة والسرور لولا منعه إياها؛ بوضعه يده على فمها متحدثا: على ماذا تزغردي وكل ماحصل من تحت راسك ، سأعيد امي مهما تطلب الامر، فقد امضيت شهرا وانا احاول نسيان ما جرى وبدون جدوى، ونلت عقابي واستحقه فهذا جزاء من يطع إمرأة السوء مثلك، فإن آنستي البقاء فمرحبا بك ،وإن لم تأنسي فإرحلي ومن الان وستأتيك ورقه طلاقك مهرولة خلفك.
_ماهذا الهراء الذي تقوله، هذا منزلي ولن اخرج منه، واذهب وابحث عن امك هذا إن وجدتها أيها الولد الحنون، إن كنت تَكنُ لها هذا الحب فلمَ طاوعتني ، ولمَ ساعدتني على ظلمها، أصدقك القول بأني عندما رأيت معاملتك القاسية لأمك،غمرني الفرح ،لذلك لا تلُمني فأنت المذنب الاول والاخير.
ترك منزله وخرج الى المكان الذي رماها فيه، لم يترك احدا لم يسأله والاجوبه كلها كانت متشابهة بأنهم لم يروا إمرأة هنا.
واصل السؤال والبحث الى أن اعياه التعب، وبدأت السماء تبكي بغزارة_مواساة له و عقابا _ شديدة،عاد خائبا، وظن بأن امه توفيت في نفس الليلة التي رماها فيها فالبرد كان قارصا جدا، قرر نسيان كل شيء طالبا المغفرة من الله عز وجل شرع بالعمل لشغل تفكيره ولكي لايكون لديه وقت يفكر في ماضيه، كانت الديون مازالت معانقة إياه
في المقابل لم تستطع الام نسيانه، ذاتا هي لم تحاول ذلك في الأصل، كانت السعادة تلف حولها من كل جانب فلم يشعراها بانها غريبة عنهم، وكانت مريم تقضي كل وقتها برفقتها ، واحمد كذلك عندما يعود من عمله الى ان يخلدوا للنوم وهم في مرح وسرور الى أن جاء اليوم الذي كانت مريم تخشاه وهو عودة الابن للبحث عن امه ،فقد جاء احمد ذات مساء وهو متجهم الوجه، وماكاد يصل الى عتبة باب المطبخ حتى جلس عليها واجهش بالبكاء دون خجل.
ارتعبت مريم من منظر زوجها وهي التي رأته صلبا، متماسكا،فماذا جرى؟
_احمد،ماسبب بكاءك،هل انا في حلم أم ماذا؟
_إحتضنها وزاد بكاؤه، شعرت بوخزة في صدرها عندما قال: سترحل ،ولدها سيأتي لأخذها مساءا.
_ابعدت جسدها عنه وصرخت لايمكن لن ادعه يأخذها مني، فهو الذي تخلى عنها، لا لا،غير معقول هذا الامر.
_مسح دموعه بمنديله، واخذها للداخل،محاولا تهدأتها : عزيزتي لايمكننا منعه فمهما حدث فهي امه، ولايحق لنا منع جمعهما، لن تصدقي مقدار لهفته لرؤيتها فهو ظن بأنها ماتت، وقال بأنه بحث عنها كثيرا ولم يجدها ،واليوم في الصدفة إستوقفني وسألني وحدث ماحدث
_لكنك تعلم كم اعتدت على وجودها معنا، سأطلب منها عدم الموافقة على الرحيل مع ابنها.
انتِ تطلبين المستحيل عزيزتي،رغم رعايتنا وحبنا لها، لكن تبقى تشعر بأنه ليس ببيتها، وبعد نقاشهما قررا إعلامها بالأمر_الذي سمعته وهما يتناقشان_وشاءت الأقدار أن يصل ولدها قبل الموعد متلهفا للقاء إمه، ومسرعا في طلب عفوها وصفحها عن ذنبه،العرق يسيل بغزارة رغم قسوة البرد،وقف أمام باب المنزل ،وهو متردد بين طرقه او العودة من حيث اتى_ظنا منه بانها لاتريد رؤيته ابتعد ثم عاد يقف خائر القوى،قرر أن يواجه مخاوفه وينال جزاءه، فطرق الباب طرقات متوالية، وبعد لحظات فُتحتْ له الباب: أهلا خالد تفضل.
اجلسه في غرفة الضيوف، مقدما له الشاي الساخن والكعك، واستأذنه كي يخبر والدته بمجيء ولدها.
لم يحرك ساكنا وانما بقي وعينيه تترقب بتلهف رؤية امه.
في داخل الغرفة كانت مريم تحتضنها بقوة وتبكي بلا توقف وهي ايضا تبكي معها.
_مريم ،ماذا تفعلي هيا انهضي يكفيك بكاءا، أماه, خالد ينتظر رؤيتك بفارغ الصبر ،والندم بادٍ عليه، هلا سمحتي لي بحملك على كرسيك واخذك له.
_ياولدي قبل ان تأخذني فأنا رغم شوقي إليه، لكني اود عقابه، ولايتم ذلك بدون مساعدتك لي.
نظر الى مريم واعاد نظره اليها ثم قال: لك ماتشاءين لكن كيف اساعدك؟
_ نصف ساعة واطلب منه الخروج و لاتسمح له بأخذي معه.
إحمولقت عيناه مما سمع، لكنه وافق على الأمر لكي يكون درسا له.
طال الأمر،كثيرا وخالد ينتظر، ماهذا اليوم المليء بالمفاجاءات فبعدما قرر نسيانها، واقنع نفسه بأنها توفيت ،يعود ليسأل عنها مَن يأويها في داره، تأخر احمد كثيرا.تسآل وهو يصوب نظره الى الساعة التي امامه: ترى ماذا يحدث عندهم، ايعقل ان والدتي لا ترغب برؤيتي!
ولماذا لا، فقد تعذبت بما يكفي وهي تعيش في منزلي، لكني علمت خطأي وسأصححه،قالها بحزمٍ.
وقف مذهولا لما رأى والدته،وهي جالسة على كرسي متحرك، ويدفعها احمد من الخلف.
هرول مسرعا ورغم قصر المسافة بينه وبين والدته إلا انها كانت ابعد مايكون في عينيه، وقع على قدميها يطبع عليها قبله،ودموعه تتناثر،احاطها بذراعيه، وازداد بكاؤه كطفلٍ يرى امه بعدما تركته وذهبت للتسوق،رفع رأسهتلاقت عيناهما معا، ومااستطاع تحمل نظرات العتاب من امه،فعاد_ مطأطأً رأسه_ الى بكاءه.
حاولتْ ان تبدو قوية، متماسكة،لكن عاطفتها وشوقها غلباها،قبلت رأسه باكية،وأخذته بين احضانها قائلة :
_قم ياخالد ولاتعذبني أكثر،اريد رؤية تضاريس وجهك لم اعتد على فراقك ياحبيب أمك.
كانت مريم تنظر لهم من وراء زوجها، وهي غارقة بالدموع، فمَن ياترى قوي الارادة الذي يحبس دموعه في مشهد كهذا !!
أما أحمد فكان في حيرة من أمره ، لكنه لم يحرك ساكنا، رغم تجاوز النصف ساعة، وجد ان يتركهما منفردين أفضل، ضم زوجته تحت ذراعه واختفيا في الداخل،وطفلتهما لحقتهما وهي تجر دميتها وراءها.
بقي خالد وامه متشبث أحدهما بالآخر، بعد أن طال بهما الصمت،تكلمت امه : هيا ياخالد إذهب فعائلتك بإنتظارك ،وزوجتك ستقلق إن تأخرت أكثر.
_إذن هيا سأنادي أحمد كي يجلب عباءتك.
_ما من داع لذلك ياولدي ،فأنا لن أبرح من مكاني ، فقد إعتدت على العيش ها هنا.
_لايمكن أن أسمح بحدوث شيء كهذا ، فأنا إبنك ومن حقي ان أن تعيشي معي .
_ولماذا لم تذكر هذا عندما رميتني ؟لا تحاول فتح جراحات لم أبرأ منها بعد..أنت لم تعد ابني، وهذا هو ولدي الوحيد.
قالتها وهي تشير الى احمد _الذي جاء مسرعا بعدما علت موجة حديثهما_هيا أخرج حالا.
_أين حنانك، اين عطفك،اين رحمتك ؟ كيف طاوعك قلبك على التفوه بكلام كهذا.
_هيا احمد لماذا لا يزال هنا، اخرجه من هنا، فليغرب عن وجهي حالا.
لم ينبت أحمد بشفة ،فكان موقفه محرجا فكيف يطرده من بيته،لكن لأجل إرضاءها ،غمز لخالد_ بدون أن تشعر _ فخرجا بكل هدوء
_خالد لا تغضب مما قالته أمك ،هي لا تزال تحبك ،لكن ربما تحتاج قليلا من الوقت كي تسامحك، لذلك ارجوك حاول قدر المستطاع عدم الضغط عليها، وهذا بيتك متى ما شئت تعال لزيارتها.
_انا ممتن لك كثيرا ويبدو انكما مهتمان بها جيدا، ولاقت الدفء الذي حرمتُها منه ، عانت وتحملت الكثير مني ومن زوجتي ،لكني سأفني عمري كله لأجل إرضاءها، وإن سمحت لي فسأجلب غدا زوجتي كي تعتذر من امي .
_خيرا تفعل، فهذا سيقنع امك بحسن نيتك.
_إذن في أمان الله ،نلتقي غدا.
_في أمان الله.
...عجز خالد فقد جرب كل السبل ولم تأتِ بنتيجة ،فقد بقيت امه على رفضها ، كان يتوقع بأن الامر ينتهي وتعود معه فور إعتذار زوجته ،لكنها رفضت رؤيتها، جلب اولاده_ ورغم تقطّع أحشائها من شدة شوقها لهم لكن أبتْ الإنكسار_فلم تسمح لهم بالتقرب من أحضانها، واكتفت بسرقة بعض النظرات خلسة عن أعينهم.
إستمرت الحال هكذا لمدة عشرأيام ، وبعدما لقنت إبنها درسا تذكره الأجيال وافقت على العودة معه ، كانت من اصعب اللحظات على مريم وأحمد اللذان اعتادا وجودها معهم، ومااصعبه من شعورٍ عندما نُجبر على الإبتعاد عمن نحبهم،.عادت الحياة الى نمطها السابق وبين الحين والاخر يقومان بزيارة لرؤية أم خالد ، ويبدو ان معاملة ابنها لها قد تحسنت كثيرا ، وفي آخر مرة كان التعب باديا عليها ، لاحظت مريم ذلك ، فقررت سؤالها بعدما بقيتا منفردتينِ : _هل هناك شيء يزعجكِ ياخالتي ؟ _ كلا ،لا تشغلي بالك . وبعدما كررت مريم السؤال تارة اخرى أجابتها: _ زوجة خالد تعاملني كأني عدوتها تتعمد إظهاري بصورة المجنونة أمام الضيوف ، تجلس لساعاتٍ وهي تشكوني أمامهم مستغلة صمتي . _ هل لخالد علم بما يجري؟ _لم أشأ إخباره ، لأنه سيضربها ، ولا اريد لأسرته أن تُهدم بسببي . _إذن فلتذهبي معي لتستعيدي صحتكِ. _أود ذلك لكن خالد سيمانع ، انتِ لا تقلقي ستكون الأمور بخيرٍ بإذن الله . _سأغادر الآن ، لكن في قابل الأيام ستأتي معي. وما إن غادرت مريم علا صراخ زوجة خالد على أمه: _ألا تخجلي وانتِ في هذا العمر ؟ أتظنينني حمقاء ولم اتنصت عليكنّ ، لماذا تفشين اسرار منزلنا للغرباء! _عن أي الأسرار تتحدثي ، ثم ما من شيء يستحق إفشاءهُ ، اخرجي اريد أن أنام . _اصمتي وإلا جعلت نومتك أبدية أيتها العجوز . كانت تفتعل الشِجار بإستمرار دون كلل ، و لكن كان مُقدرا أن يعود خالد من عمله مبكرا على غير العادة ، دخل خلسة ،سمع صراخ زوجته لكن بقي واقفا إلى ان سمعها تشتم أمه وتصفها بأبشع الصفات جرت فورة الدم في عروقه ، إقتحم الغرفة ، أبرحها ضربا ، حاوت امه النهوض من كرسيها وماإستطاعتْ ، ولولا توسلها به لكان قد قضي على زوجته : _اجمعي ثيابك واذهبي الى منزل أبيك ، سأجد مَن تخاف الله في أمي. لا تتسرع ياولدي ، ففي الأناة حكمة ، لأجل اطفالك ، وانتِ انهضي ، واذهبي الى غرفتكِ. نهضت مسرعة مخافة خالد ، إنقضى النهار بأكمله وشارفت شمسه على الإحمرار خجلا ، وهي حبيسة غرفتها بعدما لاقت الضرب الشديد من زوجها . وبعدما هدأ خالد ، إستمع لنصح أمه ،ودخل إلى زوجته ، ما إن رأته حتى أشاحت ببصرها عنه مذعورة ، سحبها من ذراعها بقسوة اجلسها أمامه وهي ترتعد رعبا : _اخبريني ماسبب كرهك لأمي ، فرغم كل ما فعلتيه ، دافعتْ عنكِ ولامتني على ضربي إياكِ ...إن إشتقتِ للعيش عند أبيك فمن دواعِ سروري . _لا لا سأعتذر من امك واعدك بأن أحسن معاملتها من الآن. _هذا مااريده بالضبط ، لا تنسي بأننا لدينا أبناء ، وسيعاملوننا مثلما نعامل أمي ، يكفي ماقاسته بسببنا. _سأفعل كل ما بوسعي ...وبالفعل إعتذرت منها ، وساد الهدوء أرجاء المنزل ، إلا ما ندر من المشاغبات الطفيفة للزوجة ، لكنها لم تؤثر على سكينة المنزل ، كانت الجدة قد عاودت سرد القصص المسلية على أحفادها ، وامهم تنصت بإهتمام لتلك القصص!
شاركه على جوجل بلس

عن وكالة هنا الصحافة الاخبارية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق