هنا الصحافة /بغداد
بقلم الكاتبة / ريم سعد مجيد
كانت السماء ملبدة بالغيوم،أوقف مقود السيارة، أنزل امه بكل قسوة وشراسة ،واجلسها في مكان عشبي رطب جدا،وبقربه بقع طينية لزجة إثر سقوط المطر.
_هنا ستبقين الى أن تتعفني وتختلطي مع هذه القاذورات فهي أنسب مكان لكِ
_أرجوك لاتذهب وتتركني وحيدة هنا، اتوسل اليك ياولدي ووحيدي ،لم اتركك عندما كنت صغيرا فلِمَ تتخلى عني عندما كبرتُ.
_لاتمثلي دور الأم الجيدة، فهو لايليق بكِ، والآن وداعا ستغضب زوجتي الغالية إن تأخرت اكثر ،ولاتفكري بالعودة الى منزلي سأبيعه غدا وأنتقل الى مكان آخر،
تركها خلفه تأنُ وتصرخ الى أن إنقطت اوتارها الحزينة من شدة البرد والصراخ معا،سمعت صوت عواء الكلاب،ارتعبت خوفا
سجدت باكية على العشب المبلل، وهي تدعو ربها بأن يبعث لها من يعينها في ماابتلاها، إشتد بكاؤها ،ولم ترفع رأسها من السجود،شعرت بثقل رأسها ،لم تستطع رفع راسها ،ولاتدري ماذا حصل بعد ذلك، الى أن استيقضت في اليوم التالي لتجد ان ربها قد استجاب لها وهيء لها المعين .
_صباح الخير أيتها الخالة،لاتقلقي ولاتخشي مني فأنا مثل إبنتك، وقد وجدك زوجي البارحة ليلا في حالة غيبوبة في الطريق،ولاتقلقي فقد رآك الطبيب واوضح ان سببه البرد، والآن سأدعك ترتاحي ريثما اجلب لك الحليب الدافيء كي تهدأ موجة السعال لديك.
نظرت من حولها لترى نفسها ممددة على فراش دثير، شعرت بالحرج لما آل إليه حالها على اخريات حياتها بفضل إبنها.
دخلت المرأة ورأتها شاردة الذهن، لم تشأ إزعاجها ولكن تألمت لمنظرها وهي تذرف الدموع دون وعي منها، فأيقظتها من شرودها: هيا ياخالة فالحليب سيبرد، والخبز كذلك
أنهضتها قليلا ،وجعلت خلفها وسادتينِ لتكون جلستها مريحة، ارادت النهوض لتركها تأكل براحتها، فقد بدا خجلها وإستحيائها واضحا، ولكن الأولى أصرت على أن يتناولن فطورهن سويا، وبعد إكماله طلبت أن يأخذاها الى دار رعاية المسنين فهي لاترغب بأن تكون عبئا على الآخرين، وشكرتها على ماأبدياه هي وزوجها من مساعدة لها.
_لا، لن أدعك تخرجي من منزلي ، وستبقي لتعيشي معنا_أنا وزوجي وإبنتنا مروة_ فقد احببتك جدا، ولن تري مايزعجك،ولايهمنا معرفة من فعل بك، فله رب لن ينسى فعلته هذه، وسأكون إبنتك الوفية.
سمع الزوج كلام زوجه فإستأذن بالدخول،سلم عليها،وجلس يطمئن على صحتها ثم قال: لن اقول لك ياخالتي، بل _ياامي_ أرجوك لا تفكري بالرحيل وتركنا، فقد حُرمِت من امي منذ ريعان شبابي، واتمنى أن ارعاك كما لو كنتِ امي.
دموعها تناثرت على وجنتيها _رغم محاولتها كبح جماحها_معلنة إنكسارها وشدة خيبتها من ولدها.
_هيا لاتبكي وإلا سابكي معك دون توقف وستتبعنا إبنتي مروة_ الجالسة في حظن والدها_ وسيعم البكاء في المنزل الى أن يهرب أحمد.
قالتها بطريقة فكهة بقصد إضحاكهم ، مسحت المرأة دموعها واصطنعت بسمة كاذبة على شفاهها الذابلة.
ففي الليلة الماضية،وبينما كان احمد عائدا من عمله،كانت الامطار قد جعلت من الطريق المؤدي الى بيته نسيج من الوحل ، اراد أن يسير فيه لكن عجلات السيارة أبت الخوض في طريق كهذا!
فهو غير معبد،فيستصعب المضي فيه تذمر قائلا:
سحقا ،سيتوجب علي أن اذهب من الطريق الأبعد.
الطريق خالٍ إلا من بعض الحيوانات التي تتقافز كلما لمحت بصيص ضوء السيارة طالبة الدفء.وصل الى الاستدارة،أبصرت عيناه جثة ملقاة على الأرض ، أطفأ محرك السيارة،ركض اليها،كانت إمرأة ستينية، أثارت دهشته بسجودها وهي غائبة الوعي،حملها برفق وهوادة الى السيارة، اجلسها بجانبه، ضغط على زر التدفئة، وقاد متجاوزا سرعة الضوء، تضرع لله بأن لاتغادر روحها، خلع معطفه ولفه حول عنقها ووجهها، وأجرى اتصالا مع صديق له،يعمل طبيبا، اخبره بإقتضاب عن حالتها ،وهو يقطن بالقرب من منزله، وقد خصص غرفة من منزله لجعلها عيادة متواضعة لمساعدة المرضى بكونهم بعيدين عن المدينة.
طمأنه بأنه ينتظر مجيئه وتمنى لها الشفاء.وصل بها الى الطبيب، كانت حرارتها مرتفعة جدا ، وبعد اجراء القليل من الفحوصات تبين انها فاقدة للوعي بسبب البرد القارص كان القلق بيّنا على احمد الذي إستأذن كي يجلب هاتفه المحمول ليتصل بزوجته فقد تأخر الوقت،بيد ان بطاريته نفد شحنها، إحتار في امره، دسه في جيبه، وشرع بالدخول متجهما .
اخبره الطبيب بأن حرارتها انخفضت وقد اعطاها حقنة منوم كي يرتاح جسدها الذابل ، وبإستطاعته اخذها الى المنزل.
شكره، وأعطاه أجره ممعتذرا منه
أحمد:أنا آسف جدا كوني سرقتك من نومك، ليلة سعيدة.
الطبيب:هذا واجبي أيها العزيز ،ليلتك كذلك.
غادر وهو على عجلة للقاء زوجته ،فقد كان متيقنا بأنها قلقة جدا عليه، وصل الى منزله ،ركن سيارته جانبا،وحمل المرأة الى الداخل،وكما توقع فقد وجدها جالسة على الكنبة في الحديقة تبكي محتضنة سترته.لم تتسع الأرض بهجتها ولكنها تسمرّت بمكانها:
_حبيبي مَن هذه المرأة ،ولِمَ هاتفك مغلق؟
_ سأجيب فور دخولنا ،فالجو شديد البرودة، اسبقيني الى غرفة مروة لتنام على سريرها.
هيأت لها السرير، وبعدما غطَوْها جيدا واغلقا الباب وارئهما.
في الصالة جلسا ولابد لأحمد أن يشرح لها كل الأمر بالتفصيل ،في البدء لم تستوعب ماجرى ، لكنه وضح لها الأمر بصورة أدق، وبعدما أكمل ، أردف معقبا:
_عزيزتي ، ارجو أن لاتمانعي من إبقائها معنا_على الأقل_ إلى أن تتعافى.
_أتظنني قاسية وبلا إنسانية كي أضجر من وجودها!
_كلا ، لا تسيئي فهمي، لكني لاأحب فرض رايي عليك.ِآ كدت انسى ، لماذا كنتِ جالسة تبكين في الحديقة وفي هذا الجو؟
_لا شيء ، فقط لأني مجنونة ، أهذا سؤال يُسأل!
قلقت كثيرا عليك، فالوقت تأخر ولم تأتِ ، ماذا تتوقع مني ، ومرة أخرى تفقد شحن هاتفك أيها المهمل.
_حسنا سأفعل ماتأمرين ، لكن على مهلكِ معي، أين مروة؟_
_إنتظرتك كي تريك رسمتها لكنك تأخرت فنامت،وطلبت مني إيقاضها حال مجيئك.
_هيا إذن لنقم الى النوم،فستشرق الشمس بعد ساعات...وبعد عدة ايام بدأت تستعيد صحتها، واخبرتهم بما جرى معها، وحاولت نسيان ابنها لكن لم تستطع فبين فينة واخرى تعود تسآل نفسها: ترى ماذا حل به، اين هو الان، إشتقت له ولأولاده وحتى زوجته.
حاولت مريم بمساعدة أحمد ان يبعداها قدر الامكان
بقلم الكاتبة / ريم سعد مجيد
كانت السماء ملبدة بالغيوم،أوقف مقود السيارة، أنزل امه بكل قسوة وشراسة ،واجلسها في مكان عشبي رطب جدا،وبقربه بقع طينية لزجة إثر سقوط المطر.
_هنا ستبقين الى أن تتعفني وتختلطي مع هذه القاذورات فهي أنسب مكان لكِ
_أرجوك لاتذهب وتتركني وحيدة هنا، اتوسل اليك ياولدي ووحيدي ،لم اتركك عندما كنت صغيرا فلِمَ تتخلى عني عندما كبرتُ.
_لاتمثلي دور الأم الجيدة، فهو لايليق بكِ، والآن وداعا ستغضب زوجتي الغالية إن تأخرت اكثر ،ولاتفكري بالعودة الى منزلي سأبيعه غدا وأنتقل الى مكان آخر،
تركها خلفه تأنُ وتصرخ الى أن إنقطت اوتارها الحزينة من شدة البرد والصراخ معا،سمعت صوت عواء الكلاب،ارتعبت خوفا
سجدت باكية على العشب المبلل، وهي تدعو ربها بأن يبعث لها من يعينها في ماابتلاها، إشتد بكاؤها ،ولم ترفع رأسها من السجود،شعرت بثقل رأسها ،لم تستطع رفع راسها ،ولاتدري ماذا حصل بعد ذلك، الى أن استيقضت في اليوم التالي لتجد ان ربها قد استجاب لها وهيء لها المعين .
_صباح الخير أيتها الخالة،لاتقلقي ولاتخشي مني فأنا مثل إبنتك، وقد وجدك زوجي البارحة ليلا في حالة غيبوبة في الطريق،ولاتقلقي فقد رآك الطبيب واوضح ان سببه البرد، والآن سأدعك ترتاحي ريثما اجلب لك الحليب الدافيء كي تهدأ موجة السعال لديك.
نظرت من حولها لترى نفسها ممددة على فراش دثير، شعرت بالحرج لما آل إليه حالها على اخريات حياتها بفضل إبنها.
دخلت المرأة ورأتها شاردة الذهن، لم تشأ إزعاجها ولكن تألمت لمنظرها وهي تذرف الدموع دون وعي منها، فأيقظتها من شرودها: هيا ياخالة فالحليب سيبرد، والخبز كذلك
أنهضتها قليلا ،وجعلت خلفها وسادتينِ لتكون جلستها مريحة، ارادت النهوض لتركها تأكل براحتها، فقد بدا خجلها وإستحيائها واضحا، ولكن الأولى أصرت على أن يتناولن فطورهن سويا، وبعد إكماله طلبت أن يأخذاها الى دار رعاية المسنين فهي لاترغب بأن تكون عبئا على الآخرين، وشكرتها على ماأبدياه هي وزوجها من مساعدة لها.
_لا، لن أدعك تخرجي من منزلي ، وستبقي لتعيشي معنا_أنا وزوجي وإبنتنا مروة_ فقد احببتك جدا، ولن تري مايزعجك،ولايهمنا معرفة من فعل بك، فله رب لن ينسى فعلته هذه، وسأكون إبنتك الوفية.
سمع الزوج كلام زوجه فإستأذن بالدخول،سلم عليها،وجلس يطمئن على صحتها ثم قال: لن اقول لك ياخالتي، بل _ياامي_ أرجوك لا تفكري بالرحيل وتركنا، فقد حُرمِت من امي منذ ريعان شبابي، واتمنى أن ارعاك كما لو كنتِ امي.
دموعها تناثرت على وجنتيها _رغم محاولتها كبح جماحها_معلنة إنكسارها وشدة خيبتها من ولدها.
_هيا لاتبكي وإلا سابكي معك دون توقف وستتبعنا إبنتي مروة_ الجالسة في حظن والدها_ وسيعم البكاء في المنزل الى أن يهرب أحمد.
قالتها بطريقة فكهة بقصد إضحاكهم ، مسحت المرأة دموعها واصطنعت بسمة كاذبة على شفاهها الذابلة.
ففي الليلة الماضية،وبينما كان احمد عائدا من عمله،كانت الامطار قد جعلت من الطريق المؤدي الى بيته نسيج من الوحل ، اراد أن يسير فيه لكن عجلات السيارة أبت الخوض في طريق كهذا!
فهو غير معبد،فيستصعب المضي فيه تذمر قائلا:
سحقا ،سيتوجب علي أن اذهب من الطريق الأبعد.
الطريق خالٍ إلا من بعض الحيوانات التي تتقافز كلما لمحت بصيص ضوء السيارة طالبة الدفء.وصل الى الاستدارة،أبصرت عيناه جثة ملقاة على الأرض ، أطفأ محرك السيارة،ركض اليها،كانت إمرأة ستينية، أثارت دهشته بسجودها وهي غائبة الوعي،حملها برفق وهوادة الى السيارة، اجلسها بجانبه، ضغط على زر التدفئة، وقاد متجاوزا سرعة الضوء، تضرع لله بأن لاتغادر روحها، خلع معطفه ولفه حول عنقها ووجهها، وأجرى اتصالا مع صديق له،يعمل طبيبا، اخبره بإقتضاب عن حالتها ،وهو يقطن بالقرب من منزله، وقد خصص غرفة من منزله لجعلها عيادة متواضعة لمساعدة المرضى بكونهم بعيدين عن المدينة.
طمأنه بأنه ينتظر مجيئه وتمنى لها الشفاء.وصل بها الى الطبيب، كانت حرارتها مرتفعة جدا ، وبعد اجراء القليل من الفحوصات تبين انها فاقدة للوعي بسبب البرد القارص كان القلق بيّنا على احمد الذي إستأذن كي يجلب هاتفه المحمول ليتصل بزوجته فقد تأخر الوقت،بيد ان بطاريته نفد شحنها، إحتار في امره، دسه في جيبه، وشرع بالدخول متجهما .
اخبره الطبيب بأن حرارتها انخفضت وقد اعطاها حقنة منوم كي يرتاح جسدها الذابل ، وبإستطاعته اخذها الى المنزل.
شكره، وأعطاه أجره ممعتذرا منه
أحمد:أنا آسف جدا كوني سرقتك من نومك، ليلة سعيدة.
الطبيب:هذا واجبي أيها العزيز ،ليلتك كذلك.
غادر وهو على عجلة للقاء زوجته ،فقد كان متيقنا بأنها قلقة جدا عليه، وصل الى منزله ،ركن سيارته جانبا،وحمل المرأة الى الداخل،وكما توقع فقد وجدها جالسة على الكنبة في الحديقة تبكي محتضنة سترته.لم تتسع الأرض بهجتها ولكنها تسمرّت بمكانها:
_حبيبي مَن هذه المرأة ،ولِمَ هاتفك مغلق؟
_ سأجيب فور دخولنا ،فالجو شديد البرودة، اسبقيني الى غرفة مروة لتنام على سريرها.
هيأت لها السرير، وبعدما غطَوْها جيدا واغلقا الباب وارئهما.
في الصالة جلسا ولابد لأحمد أن يشرح لها كل الأمر بالتفصيل ،في البدء لم تستوعب ماجرى ، لكنه وضح لها الأمر بصورة أدق، وبعدما أكمل ، أردف معقبا:
_عزيزتي ، ارجو أن لاتمانعي من إبقائها معنا_على الأقل_ إلى أن تتعافى.
_أتظنني قاسية وبلا إنسانية كي أضجر من وجودها!
_كلا ، لا تسيئي فهمي، لكني لاأحب فرض رايي عليك.ِآ كدت انسى ، لماذا كنتِ جالسة تبكين في الحديقة وفي هذا الجو؟
_لا شيء ، فقط لأني مجنونة ، أهذا سؤال يُسأل!
قلقت كثيرا عليك، فالوقت تأخر ولم تأتِ ، ماذا تتوقع مني ، ومرة أخرى تفقد شحن هاتفك أيها المهمل.
_حسنا سأفعل ماتأمرين ، لكن على مهلكِ معي، أين مروة؟_
_إنتظرتك كي تريك رسمتها لكنك تأخرت فنامت،وطلبت مني إيقاضها حال مجيئك.
_هيا إذن لنقم الى النوم،فستشرق الشمس بعد ساعات...وبعد عدة ايام بدأت تستعيد صحتها، واخبرتهم بما جرى معها، وحاولت نسيان ابنها لكن لم تستطع فبين فينة واخرى تعود تسآل نفسها: ترى ماذا حل به، اين هو الان، إشتقت له ولأولاده وحتى زوجته.
حاولت مريم بمساعدة أحمد ان يبعداها قدر الامكان
0 التعليقات:
إرسال تعليق